عقدت منذ ايام قليلة، قمة عربية غير عادية اصطلح على تسميتها بالطارئة لبحث مسألة القضية الفلسطينية. لم يكن هناك من طارئ على هذه القمة في ما يتعلق بفلسطين، فالقضية قديمة قدم التاريخ نفسه، وخاضت خلال العقود الاخيرة معارك وجودية، فكانت تطفو حيناً وتغرق احياناً. الطارئ الوحيد الذي استجد، كان شعور بعض الدول العربية ومنها مصر والاردن وحتى السعودية، بجدية الخطر المحدق بها اثر الكشف عن نوايا الادارة الاميركية الجديدة توزيع الفلسطينيين الى اراضي الدول المجاورة، علماً ان لبنان وسوريا "اعتادا" على وجود لاجئين في اراضيهما، وبالتالي ليس هناك من طارئ عليهما في هذا المجال.
الكلمات التي القيت، عبّرت عن قلق وخوف مما ينتظر الفلسطينيين والعرب، وكانت كلمة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لافتة ان بالنسبة الى الوضع اللبناني او بالنسبة الى الوضع العربي ككل. ولكن، علمتنا الخبرة على مدى السنوات، ان الكلمات وحدها لا تكفي، وان المشاعر الصادقة تبقى مجرد افكار، وان التهديد والوعيد العربي يبقى مجرد اصوات تضيع في هواء الغرب الرحب. الفارق الوحيد الذي يميّز هذه القمة الطارئة عن غيرها، كان مسالة توزيع الفلسطينيين، وبالتالي الحديث عن كيفية التعاطي مع هذا المشروع الذي يبدو انه في طريقه الى التنفيذ، بفضل اصرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وعدم ممانعة باقي الدول الغربية، خصوصاً وانه يتيح لاسرائيل التوسع بشكل كبير، وتأمين سنوات طويلة من الامن والاستقرار للاسرائيليين، بعد التطورات الميدانية التي حصلت اواخر السنة الفائتة والتي غيّرت وجه المنطقة ككل، على غرار ما قاله (وكان على حق هذه المرة) رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
التحدي الحقيقي للغرب والعرب على حد سواء، يكمن في كيفية استقبال الفلسطينيين من دون ان يؤثر ذلك على الستاتيكو الحالي، الديموغرافي منه والامني والجغرافي، لان التقاطع الوحيد بين الطرفين الغربي والعربي في هذا الخصوص هو على الوضع الامني، في حين ان الوضعين الآخرين يهمان العرب بشكل كبير، فيما لا يشكلان اولوية او مصدر قلق بالنسبة الى الغرب، الذي يرى -وبالتحديد الجانب الاميركي- ان اسرائيل باتت قادرة على السيطرة على المسألة الامنية في المنطقة كلها، وليس فقط على حدود معيّنة، وباتت يدها العسكرية تبلغ كل من يهدد امنها، ومع العمل الحثيث لتحييد قطاع غزة عنه ومنعه من التأثير على المستوى الامني، وفي ظل قبول السلطة الفلسطينية بالهدوء السائد في الضفة الغربية والمناطق التي تسيطر عليها، لا يهمّ كيف ستتطور الامور ديموغرافياً وجغرافياً.
تختلف هذه القمة العربية عن غيرها بكونها الاقرب الى حقبة التغيير التي بات يتنبأ بها كل مراقب ومحلل ومطلع، وبكونها الشاهدة الاخيرة ربما على تطورات لن تكون في مصلحة العرب، لذلك يجهد المصريون والاردنيون اكثر من غيرهم لمحاولة ابعاد هذه الكاس عنهما، من دون ان يعني ذلك ان جهودهما ستتكلل بالنجاح، الا في حال تمكنا من اقناع ادارة ترامب، ان الخطة الموضوعة ستهدد مصالح واشنطن في المنطقة، او يقدما قراءة مختلفة كلياً عن السائدة حالياً لجهة ان التغييرات المرتقبة ستنعكس سلباً على اسرائيل، على عكس ما يعتقد الاميركيون والاسرائيليون على حد سواء، او وضع العراقيل امام قطار التطبيع الذي يضعه ترامب نصب عينيه، ومعه نتنياهو وباقي المسؤولين الاسرائيليين.
ليس من المرجح ان يغيّر العرب وجهتهم نحو الشرق، فروسيا باتت اليوم قريبة من اميركا على عكس السنوات الاربع الماضية، والحرب التجارية الاميركية مع الصين، ستمنعهم من التوجه الى بكين لان من شأن ذلك "استفزاز" الرئيس الاميركي الذي لا يمكن توقع ردات فعله... وهذا مصدر قوته، ولا يبقى بالتالي سوى الصبر والصلاة.